کد مطلب:241334 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:301

تفاصیل فصول السنة
فی طباع الفصول:

اعلم أن هذه الفصول عن الأطباء غیرها عند المنجمین، فان الفصول الأربعة عند المنجمین هی أزمنة انتقالات الشمس فی ربع ربع من فلك البروج مبتدئة من النقطة الربیعیة.

أما عند الاطباء فان الربیع هو الزمان الذی لا یحوج فی البلاد المعتدلة الی ادفاء یعتد به من البرد، أو ترویح یعتد به من الحر و یكون فیه ابتداء نشوء الاشجار، و یكون زمانه زمان ما بین الاستواء الربیعی أو قبله أو بعده بقلیل الی حصول الشمس فی نصف من الثور. و یكون الخریف هو المقابل له فی مثل بلادنا. و یجوز فی بلاد أخری ان یتقدم الربیع و یتأخر الخریف.

و الصیف هو جمیع الزمان الحار والشتاء و هو جمیع الزمان البارد فیكون زمان الربیع والخریف كل واحد منهما عند الاطباء أقصر من كل واحد من الصیف والشتاء، و زمان الشتاء مقابل للصیف أو أقل او أكثر منه بحسب البلاد. فیشبه أن یكون الربیع زمان الأزهار و ابتداء الأثمار والخریف زمان تغیر لون الورق و ابتداء سقوطه، و ما سواهما شتاء وصیف.

فنقول: ان مزاج الربیع هو المزاج المعتدل، و لیس علی ما یظن أنه حار رطب.

و تحقیق ذلك: بكنهه هو الی الجزء الطبیعی من الحكمة بل لیسلم ان الربیع معتدل والصیف حار لقرب الشمس من سمت الرؤوس و قوة الشعاع الفائض عنها الذی یتوهم انعكاسه فی الصیف، اما علی زوایا حادة جدا، و اما ناكصا علی أعقابه فی الخطوط التی نفذ فیها فیكثف عندها الشعاع. و سبب ذلك فی الحقیقة هو أن مسقط شعاع الشمس منه ما هو بمنزلة مخروط السهم من الاسطوانة، والمخروط كأنه ینفذ من مركز جرم الشمس الی ما هو محاذیه. و منه ما هو بمنزلة البسیط والمحیط، أو المقارب للمحیط و ان قوته عند سهمه أقوی اذ التأثیر یتوجه الیه من الاطراف كلها، و أما ما یلی الاطراف فهو أضعف و نحن فی الصیف واقعون فی السهم او بقرب منه و یدوم ذلك علینا، سكان العروض الشمالیة. و فی الشتاء بحیث یقرب من المحیط، و لذلك ما یكون الضوء فی الصیف أنور مع ان المسافة من مقامنا الی مقام الشمس فی قرب أوجها أبعد.

أما نسبة هذا القرب والبعد فتبین فی الجزء النجومی من الجزء الریاضی من الحكمة. و أما تحقیق اشتداد الحر لاشتداد الضوء، فهو یتبین فی الجزء الطبیعی من الحكمة.

والصیف مع انه حار فهو ایضا یابس لتحلل الرطوبات فیه من شدة الحرارة و لتخلخل جوهر الهواء و مشاكلته للطبیعة الناریة و لقلة ما یقع فیه من الانداء والامطار.

والشتاء بارد رطب لضد هذه العلل. و أما الخریف فان الحر یكون قد انتقص فیه والبرد لا یستحكم بعد، و كانا قد حصلنا فی الوسط من التبعد بین السهم المذكور و بین المحیط. فاذن هو قریب من الاعتدال فی الحر والبرد الا أنه غیر معتدل فی الرطوبة والیبوسة و كیف والشمس قد جففت الهواء، و لم یحدث بعد من العلل المرطبة ما یقابل تجفیف العلة المجففة، و لیس الحال فی التبرید كالحال فی الترطیب لأن الاستحالة الی البرودة تكون بسهولة، والاستحالة الی الرطوبة لا تكون بتلك السهولة. و ایضا لیست الاستحالة الی الرطوبة بالبرد كالاستحالة الی الجفاف بالحر لأن الاستحالة الی الجفاف بالحر تكون بسهولة فان أدنی الحر یجفف. و لیس أدنی البرد یرطب، بل ربما كان أدنی الحر اقوی فی الترطیب اذا وجد المادة من أدنی البرد فیه، لأن أدنی الحر یبخر و لا یحلل. و لیس ادنی البرد یكثف و یحقن و یجمع.

و لهذا لیس حال بقاء الربیع علی رطوبة الشتاء كحال بقاء الخریف علی یبوسة الصیف.

فان رطوبة الربیع تعتدل بالحر فی زمان لا تعتدل فیه یبوسة الخریف بالبرد و یشبه أن یكون هذا الترطیب والتجفیف شبیها بفعل ملكة و عدم، لا بفعل ضدین، لأن التجفیف فی هذا الموضع لیس هو الا افقاد الجوهر الرطب.

والترطیب لیس هو افقاد الجوهر الیابس، بل تحصیل الجوهر الرطب لأنا لسنا نقول فی هذا الموضع هواء رطب و هواء یابس، و نذهب فیه الی صورته او كیفیته الطبیعیة، بل لا نتعرض لهذا فی هذا الموضع، او نتعرض تعرضا یسیرا، و انما نعنی بقولنا هواء رطب أی هواء خالطته أبخرة كثیفة مائیة، او هواء استحال بتكثفه الی مشاكلة البخار المائی، و نقول هواء یابس أی هواء قد تفشش عنه ما یخالطه من البخارات المائیة، أو استحال الی مشاكلة جوهر النار بالتخلخل، أو خالطته أدخنة ارضیة تشاكل الأرض فی تنشفها. فالربیع ینتفض عنه فضل الرطوبة الشتویة مع ادنی حر یحدث فیه لمقارنة الشمس السمت.

والخریف لیس بأدنی برد یحدث فیه بترطیب جوه، و اذا شئت ان تعرف هذا فتأمل هل تندی الاشیاء الیابسة فی الجو البارد كتجفف الاشیاء الرطبة فی الجو الحار علی أن یجعل البارد فی برده كالحار فی حره تقریبا، فانك اذا تأملت هذا وجدت الأمر فیهما مختلفا علی أن ههنا سببا آخر اعظم من هذا، و هو ان الرطوبات لا تثبت فی الجو البارد والحار جمیعا الا بدوام لحوق المدد.

والجفاف لیس یحتاج الی مدد البتة، و انما صارت الرطوبة فی الاجساد المكشوفة للهواء أو فی نفس الهواء لا تثبت الا بمدد. لأن الهواء انما یقال له انه شدید البرد بالقیاس الی أبداننا و لیس یبلغ برده فی البلاد المعمورة قبلنا الی ان لا یحلل البتة، بل هو فی الأحوال كلها محلل لما فیه من قوة الشمس والكواكب، فمتی انقطع المدد و استمر التحلل أسرع الجفاف. و فی الربیع یكون ما یتحلل أكثر مما یتبخر.

والسبب فی ذلك أن التبخر یفعله أمران: حرارة و رطوبة لطیفة قلیلة فی ظاهر الجو، و حر كامن فی الأرض قوی یتأدی منه شی ء لطیف الی ما یقرب من ظاهر الارض.

فی الشتاء: یكون باطن الارض حارا شدید الحرارة، كما قد تبین فی العلوم الطبیعیة الأصلیة و تكون حرارة الجو قلیلة، فیجتمع اذن السببان للترطیب و هو التصعید ثم التغلیظ و لا سیما والبرد ایضا یوجب فی جوهر الهواء نفسه تكاثفا و استحال الی البخاریة.

أما فی الربیع: فان الهواء یكون تحلیله أقوی من تبخیره، والحرارة الباطنة الكامنة تنقص جدا و یظهر منها ما یمیل الی بارز الارض دفعه شی ء، هو أقوی من المبخر او شی ء هو لطیف التبخیر لشدة استیلائه علی المادة فیلطفها. و یصادف تبخیره اللطیف زیادة حر الجو فیتم به التحلیل. هذا بحسب الاكثر و بحسب انفراد هذه الاسباب دون أسباب اخری توجب اشیاء غیر ما ذكرناه.

ثم لا تكون هناك مادة كثیرة تلحق ما یصعد و یلطف، فلهذا یجب ان یكون طباع الربیع الی الاعتدال فی الرطوبة والیبس، كما هو معتدل فی الحرارة والبرودة علی انا لا نمنع ان تكون اوائل الربیع الی الرطوبة ما هی الا ان بعد ذلك عن الاعتدال لیس كبعد مزاج الخریف من الیبوسة عن الاعتدال، ثم ان الخریف من لم یحكم علیه بشدة الاعتدال فی الحر والبرد لم یبعد عن الصواب، فان ظهائره صیفیة لأن الهواء الخریفی شدید ایبس مستعد جدا لقبول التسخین والاستحالة الی مشاكلة الناریة بتهیئة الصیف ایاه. لذلك و لیالیه و غدواته باردة لبعد الشمس فی الخریف عن سمت الرؤوس و لشدة قبول اللطیف المتخلخل لتأثیر ما یبرد.

أما الربیع: فهو اقرب الی الاعتدال فی الكیفیتین لأن جوه لا یقبل من السبب المشاكل للسبب فی الخریف ما یقبله جو الخریف من التسخین والتبرید فلا یبعد لیله كثیرا عن نهاره.

فان قال قائل: ما بال الخریف یكون لیله أبرد من لیل الربیع و كان یجب أن یكون هواؤه أسخن لأنه ألطف؟ فنجیبه و نقول: ان الهواء الشدید التخلخل یقبل الحر والبرد أسرع، و كذلك الماء الشدید التخلخل، و لهذا اذا سخنت الماء و عرضته للاجماد كان أسرع جمودا من البارد لنفوذ التبرید فیه لتخلخله، علی أن الابدان لا تحس من برد الربیع ما تحس من برد الخریف لأن الابدان فی الربیع منتقلة من البرد الی الحر متعودة للبرد و فی الخریف بالضد، و علی ان الخریف متوجه الی الشتاء والربیع مسافر عنه.

و اعلم: ان اختلاف الفصول قد یثیر فی كل اقلیم ضربا من الامراض و یجب علی الطبیب ان یتعرف ذلك فی كل اقلیم حتی یكون الاحتراز والتقید بالتدبیر مبنیا علیه، و قد یشبه الیوم الواحد ایضا بعض الفصول دون بعض فمن الایام ما هو شتوی و منها ما هو صیفی و منها ما هو خریفی یسخن و یبرد فی یوم واحد.

فی أحكام الفصول و تغیرها:

كل فصل یوافق من به مزاج صحی مناسب له، و یخالف من به سوء مزاج غیر مناسب له الا اذا عرض خروج عن الاعتدال كبیر جدا فیخالف المناسب و غیر المناسب بما یضعف من القوة، و ایضا فان كل فصل یوافق المزاج العرضی المضاد له، و اذا خرج فصلان عن طبعهما و كان مع ذلك خروجهما متضادا ثم لم یقع افراط متماد مثل أن یكون الشتاء جنوبیا، فورد علیه ربیع شمالی، كان لحوق الثانی بالأول موافقا للابدان معدلا لها، فان الربیع یتدارك جنایة الشتاء. و كذلك ان كان الشتاء یابسا جدا والربیع رطبا جدا فان الربیع یعدل بیبس الشتاء. و ما لم تفرط الرطوبة و لم یطل الزمان لم یتغیر فعله عن الاعتدال الی الترطیب الضار. تغیر الزمان فی فصل واحد أقل جلبا للوباء من تغیره فی فصول كثیرة تغیرا جالبا للوباء لیس تغیر امتداد كالماء یجنیه التغیر الاول علی ما وصفنا.

و أولی أمزجة الهواء بأن یستحیل الی العفونة هو مزاج الهواء الحار الرطب، و أكثر ما تعرض تغیرات الهوا انما هو فی الاماكن المختلفة الأوضاع والغائرة، و یقل فی المستویة والعالیة خصوصا. و یجب أن تكون الفصول ترد علی واجباتها فیكون الصیف حارا والشتاء باردا، و كذلك كل فصل فان انخرق ذلك، فكثیرا ما یكون سببا لأمراض ردیئة.

والسنة المستمرة الفصول علی كیفیة واحدة، سنة ردیئة مثل ان یكون جمیع السنة رطبا او یابسا او حارا او باردا، فان مثل هذه السنة تكون كثیرة الامراض المناسبة لكیفیتها، ثم تطول مددها، فان الفصل الواحد یثیر المرض اللائق به، فكیف السنة مثل ان الفصل البارد اذا وجد بدنا بلغمیا حرك الصرع والفالج و السكتة واللقوة والتشنج و ما یشبه ذلك.

والفصل الحار اذا وجد بدنا صفراویا أثار الجنون والحمیات الحادة والأورام الحارة، فكیف اذا استمرت السنة علی طبع الفصل. و اذا استعجل الشتاء استعجلت الأمراض الشتویة، و ان استعجل الصیف استعجلت الامراض الصیفیة، و تغیرت الأمراض التی كانت قبلها بحكم الفصل، و اذا طال فصل كثرت أمراضه و خصوصا الصیف والخریف.

و اعلم ان لانقلاب الفصول تأثیرا لیس هو بسبب الزمان لأنه زمان، بل لما یتغیر معه من الكیفیة هو تأثیر عظیم فی تغیر الاحوال و كذلك لو تغیر الهواء فی یوم واحد من الحر الی برد لتغیر مقتضاهما فی الابدان. و أصح الزمان هو أن یكون الخریف مطیرا والشتاء معتدلا لیس عادما للبرد و لكن غیر مفرط فیه بالقیاس الی البلد. و ان جاء الربیع مطیرا و لم یخل الصیف من مطر فهو أصح ما یكون.

كیفیات الاهویة و مقتضیات الفصول:

الربیع: اذا كان علی مزاجه فهو أفضل فصل و هو مناسب لمزاج الروح والدم، و هو مع اعتداله الذی ذكرناه یمیل عن قرب الی حرارة لطیفة سمائیة و رطوبة طبیعیة، و هو یحمر اللون لأنه یجذب الدم باعتدال، و لم یبلغ أن



یحلله تحلیل الصیف الصائف. والربیع تهیج فیه الامراض المزمنة لأنه یجری الاخلاط الراكدة و یسیلها، و لذلك السبب تهیج فیه مالیخولیا أصحاب المالیخولیا و من كثرت أخلاطه فی الشتاء لنهمه و قلة ریاضته استعد فی الربیع للأمراض التی تهیج من تلك المواد بتحلیل الربیع لها، و اذ طال الربیع و اعتداله قلت الامراض الصیفیة.

أمراض الربیع: اختلاف الدم والرعاف و تهیج المالیخولیا التی فی طبع المرة والأورام والدمامیل والخوانیق و تكون قتالة و سائر الخراجات، و یكثر فیه انصداع العروق و نفث الدم والسعال، و خصوصا فی الشتوی منه الذی یشبه الشتاء و یسوء أحوال من بهم هذه الامراض، و خصوصا السد، و لتحریكه فی المبلغمین مواد البلغم تحدث فی السكتة والفالج و أوجاع المفاصل و ما یوقع فیها حركة من الحركات البدنیة والنفسانیة مفرطة، و تناول المسخنات ایضا، فانهما یعینان طبیعة الهواء، و لا یخلص من أمراض الربیع شی ء، كالفصد والاستفراغ والتقلیل من الطعام، والربیع موافق للصبیان و من یقرب منهم.

أما الشتاء: فهو أجود للهضم لحصر البرد جوهر الحار الغریزی، فیقوی و لا یتحلل و لقلة الفواكه و اقتصار الناس علی الاغذیة الخفیفة و قلة حركاتهم فیه علی الامتلاء، و لایوائهم الی المدافی ء، و هو أكسر الفصول للمرة السوداء لبرده و قصر نهاره مع طول لیله. و أكثرها حقنا للمواد و أشدها احواجا الی تناول المقطعات والملطفات والامراض الشتویة أكثرها بلغمیة.

یكثر فیه البلغم حتی ان أكثر القی ء فیه البلغم ولون الاورام یكون فیه الی البیاض علی أكثر الامر.

یكثر فیه أمراض الزكام و یبتدی ء الزكام مع اختلاف الهواء الخریفی، ثم یتبعه ذات الجنب و ذات الرئة والبحوحة و أوجاع الحلق، ثم یحدث وجع الجنب نفسه والظهر و آفات العصب والصداع المزمن، بل السكتة والصرع كل ذلك لاحتقان المواد البلغمیة و تكثرها. والمشایخ یتأذون بالشتاء، و كذلك من یشبههم. والمتوسطون ینتفعون به، و یكثر الرسوب فی البول شتاء بالقیاس الی الصیف، و مقداره یكون أكثر.

أما الصیف: فانه یحلل الاخلاط و یضعف القوة والأفعال الطبیعیة لسبب افراط التحلیل، و یقل الدم فیه والبلغم، و یكثر المرار الاصفر، ثم فی آخره المرار الأسود بسبب تحلل الرقیق و احتباس الغلیظ و احتقانه. و تجد المشایخ و من یشبههم أقویاء فی الصیف. و یصفر اللون بما یحلل من الدم الذی یجذبه و تقصر فیه مدد الأمراض لأن القوة ان كانت قویة وجدت من الهواء معینا علی التحلیل، فانضجت مادة العلة و دفعتها، و ان كانت ضعیفة زادها الحر الهوائی ضعفا بالارخاء فسقط و مات صاحبها.

والصیف الحار الیابس سریعا ما یفصل الامراض والرطب مضاغ طویل مدد الامراض، و لذلك یؤل فیه أكثر القروح الی الآكلة، و یعرض فیه الاستسقاء و زلق الامعاء و تلین الطبع و یعین فی جمیع ذلك كله كثرة انحدار الرطوبات من فوق الی أسفل، و خصوصا من الرأس.

أما الأمراض القیظیة فمثل: حمی الغب والمطبقة والمحرقة و ضمور البدن.

و من الاوجاع: أوجاع الأذن والرمد و یكثر فیه خاصة - اذا كان عدیم الریح - الحمرة والبثور التی تناسبها و اذا كان الصیف ربیعیا كانت الحمیات حسنة الحال غیر ذات خشونة وحدة یابسة و كثر فیه العرق، و كان متوقعا فی البحارین لمناسبة الحار الرطب، لذلك فان الحار یحلل والرطب یرخی و یوسع المسام. و ان كان الصیف جنوبیا كثرت فیه الأوبئة و أمراض الجدری والحصبة.

و أما الصیف الشمالی: فانه منضج، لكنه یكثر فیه أمراض العصر. و أمراض العصر امراض تحدث من سیلان المواد بالحرارة الباطنة او الظاهرة اذا ضربتها برودة ظاهرة فعصرتها و هذه الأمراض كلها كالنوازل و ما معها، و اذا كان الصیف الشمالی یابسا انتفع به البلغمیون والنساء و عرض لأصحاب الصفراء رمد یابس و حمیات حارة مزمنة، و عرض من احتراق الصفراء للاحتقان غلبة سوداء.

أما الخریف: فانه كثیر الأمراض لكثرة تردد الناس فیه فی شمس حارة ثم رواحهم الی برد، و لكثرة الفواكه و فساد الاخلاط بها و لانحلال القوة فی الصیف. والاخلاط تفسد فی الخریف بسبب المأكولات الردیئة و بسبب تحلل اللطیف و بقاء الكثیف و احتراقه. و لكما أثار فیها خلط من تثویر الطبیعة للدفع والتحلیل رده البرد الی الحقن، و یقل الدم فی الخریف جدا، بل هو مضاد للدم فی مزاجه فلا یعین علی تولیده، و قد تقدم تحلیل الصیف الدم و تقلیله منه.

یكثر فیه من الأخلاط المرار الأصفر بقیة عن الصیف والأسود لترمد الاخلاط فی الصیف، فلذلك تكثر فیه السوداء لأن یرمد والخریف یبرد.

أول الخریف موافق للمشایخ موافقة ما و آخره یضرهم مضرة شدیدة.

أمراض الخریف: هی الجرب المتقشر والقوابی والسرطانات و أوجاع المفاصل والحیات المختلطة و حمیات الربع لكثرة السوداء لما أوضحناه من علة، و لذلك یعظم فیه الطحال و یعرض فیه تقطیر البول لما یعرض للمثانة من اختلاف المزاج فی الحر والبرد، و یعرض ایضا عسر البول و هو أكثر عروضا من تقطیر البول، و یعرض فیه زلق الامعاء و ذلك لدفع البرد فیه ما رق من الاخلاط الی باطن البدن، و یعرض فیه عرق النسا ایضا، و تكون فیه الذبحة لذاعة مراریة، و فی الربیع بلغمیة لأن مبدأ كل منهما من الخلط الذی یثیره الفصل الذی قبله، و یكثر فیه ایلاوس الیابس. و قد یقع فیه السكتة و أمراض السكتة و أمراض الرئة و أوجاع الظهر والفخذین بسبب حركة الفصول فی الصیف، ثم انحصارها فیه. و یكثر فیه الدیدان فی البطن لضعف القوة عن الهضم والدفع و یكثر خصوصا فی الیابس منه الجدری، و خصوصا اذا سبقه صیف حار، و یكثر فیه الجنون ایضا لرداءة الاخلاط المراریة و مخالطة السوداء لها.

الخریف أضر الفصول بأصحاب قروح الرئة الذین هم أصحاب السل، و هو یكشف المشكل فی حاله اذا كان ابتدا و لم یستبن آیاته، و هو من أضر الفصول بأصحاب الدق المفرد ایضا بسبب تجفیفه.

الخریف كالكافل عن الصیف بقایا أمراضه، و أجود الخریف ارطبه والمطیر منه والیابس منه أردؤه.

فی أحكام ترتیب السنة:

اذا ورد ربیع شمالی علی شتاء جنوبی ثم تبعه صیف و مد، و كثرت المیاه و حفظ الربیع المواد الی الصیف، كثر الموتان فی الخریف فی الغلمان و كثر السحج و قروح الامعاء والغب الغیر الخالصة الطویلة. فان كان الشتاء شدید الرطوبة أسقطت اللواتی تتربصن وضعهن ربیعا بأدنی سبب. و ان ولدن أضعفن و أمتن او أسقمن. و یكثر بالناس الرمد و اختلاف الدم، والنوازل تكثر حینئذ، و خصوصا بالشیوخ، و ینزل فی أعصابهم فربما ماتوا منها فجأة لهجومها علی مسالك الروح دفعة مع كثرة، فان كان الربیع مطیرا جنوبیا، و قد ورد علی شتاء شمالی كثر فی الصیف الحمیات الحارة والرمد و لین الطبیعة و اختلاف الدم، و أكثر ذلك كله من النوازل و اندفاع البلغم المجتمع شتاء الی التجاویف الباطنة لما حركه الحر، و خصوصا لأصحاب الامزجة الرطبة مثل النساء و یكثر العفن و حمیاته، فان حدث فی صیفهم - وقت طلوع الشعری - مطر وهبت شمال، رجی خیر و تحللت الامراض.

و أضر ما یكون هذا الفصل انما هو بالنساء والصبیان، و من ینجو منهم یقع الی الربع لاحتراق الأخلاط و ترمدها و الی الاستسقاء بعد الربع بسبب الربع و أوجاع الطحال و ضعف الكبد، لذلك و یقل ضرره فی المشایخ و بدن من یخاف علیه التبرید، و اذا ورد علی صیف یابس شمالی خریف مطیر جنوبی استعدت الأبدان لأن تصدع فی الشتاء و تسعل و تبح حلوقها و تسل لأنها یعرض لها كثیرا ان تركم، و لذلك اذا ورد علی صیف یابس جنوبی خریف مطیر شمالی، كثر ایضا فی الشتاء الصداع، ثم النزلة والسعال و البحوحة. و ان ورد علی صیف جنوبی خریف شمالی، كثرت فیه أمراض العصر والحقن و قد علمتها و اذا تطابق الصیف والخریف فی كونهما جنوبیین رطبین، كثرت الرطوبات. فاذا جاء الشتاء جاءت امراض العصر المذكورة. و لا یبعد أن یؤدی الاحتقان و ارتكام المواد لكثرتها و فقدان النافس الی امراض عفنیة. و لم یخل الشتاء عن أن یكون ممرضا لمصادفته مواد ردیئة محتقنة كثیر. و اذا كانا معا یابسین شمالیین انتفع من یشكو الرطوبة والنسا. غیرهم یعرض له رمد یابس و نزلة مزمنة و حمیات حارة و مالیخولیا.

ثم اعلم أن الشتاء البارد المطیر یحدث حرقة البول و اذا اشتدت حرارة الصیف و یبوسته حدثت خوانیق قتالة و غیر قتالة و منفجرة و غیر منفجرة. و المنفجرة تكون داخلا و خارجا و حدث عسر بول و حصبة و حمیقا و جدری سلیمات و رمد و فساد دم و كرب و احتباس طمث و نفث. والشتاء الیابس - اذا كان ربیعه یابسا - فهو ردی ء. والوباء یفسد الاشجار والنبات فتفسد معتلفاتها من الماشیة فتفسد آكلیها من الناس.

فی نبض الفصول:

أما الربیع: فیكون النبض فیه معتدلا فی كل شی ء، و زائدا فی القوة، و فی الصیف یكون سریعا متواترا للحاجة صغیرا ضعیفا لانحلال القوة بتحلل الروح للحرارة الخارجة المستولیة المفرطة.

أما فی الشتاء: فیكون أشد تفاوتا و ابطاء و ضعفا مع أنه صغیر لأن القوة تضعف. و فی بعض الابدان یتفق أن تحقن الحرارة فی الغور و تجتمع و تقوی القوة، و ذلك اذا كان المزاج الحار غالبا مقاوما للبرد لا ینفعل عنه فلا یعمق البرد.

أما فی الخریف: فیكون النبض مختلفا والی الضعف ما هو. أما اختلافه، فبسبب كثرة استحالة المزاج العرضی فی الخریف تارة الی حر و تارة الی برد، و أما ضعفه فلذلك ایضا فان المزاج المختلف فی كل وقت أشد نكایة من المتشابه المستوی و ان كان ردیئا، و لأن الخریف زمان مناقض لطبیعة الحیاة لأن الحرفیة یضعف والیبس یشتد، و أما نبض الفصول التی بین الفصول فانه یناسب الفصول التی تكتنفها.

فی تدبیر الفصول:

أما الربیع: فیبادر فی أوائله بالفصد والاسهال بحسب المواجب والعادة، و یستعمل فیه خصوصا القی ء، و یهجر كل ما یسخن و یرطب كثیرا من اللحوم والأشربة و یلطف الغذاء، و یرتاض ریاضة معتدلة فوق ریاضة الصیف و لا یتملأ من الطعام، بل یفرق و یستعمل الاشربة والربوب المطفئة و یهجر الحار و كل مر و حریف و مالح.

أما فی الصیف: فینقص من الاغذایة والاشربة والریاضة و یلزم الهدو والدعة والمطفئات والقی ء لمن أمكنه و یلزم الظل و الكن.

أما فی الخریف: خصوصا فی الخریف المختلف الهواء فیلزم أجود التدبیر، و یهجر المجففات كلها، و لیحذر الجماع و شرب الماء البارد كثیرا و صبه علی الرأس، والنوم فی الموضع البارد الذی یقشعر فیه البدن، و لا ینام علی الامتلاء و لیتوق حر الظهائر و برد الغدوات، و یوقی رأسه لیلا و غداة من البرد، و لیحذر فیه الفواكه الوقتیة والاستكثار منها، و لا یستحم الا بفاتر، و اذا استوی فیه اللیل و النهار استفرغ لئلا یحتقن فی الشتاء فضول. علی أن كثیرا من الابدان، الأوفق لها فی الخریف أن لا یشتغل بتدبیر الاخلاط و تحریكها، بل یكون تسكینها أجدی علیها. و قد منعوا عن القی ء فی الخریف لأنه یجلب الحمی. و أما الشراب فیجب أن یستعمل فیه ما هو كثیر المزاج من غیر اسراف. و اعلم أن كثرة المطر فی الخریف أمان من شره.

أما فی الشتاء: فلیكثر التعب و لیبسط الغذاء الا أن یكون جنوبیا، فحینئذ یجب أن یزاد فی الریاضة و یقلل من الغذاء، و یجب أن تكون حنطة خبز الشتاء أقوی و أشد تلززا من حنطة خبز الصیف. و كذلك القیاس فی اللحمان و المشوی و نحوه، و أن تكون بقوله مثل الكرنب والسلق والكرفس لیس القطف والیمانیة و الحمقاء والهندبا، و قلما یعرض لشی ء من الابدان الصحیحة مرض فی الشتاء، فان عرض فلیبادر بالعلاج والاستفراغ ان أوجبه، فانه لم یكن لیعرض فیه مرض، الا والسبب عظیم خصوصا ان كان حارا لأن الحرارة الغریزیة و هی المدبرة تقوی جدا فی الشتاء بما یسلم من التحلل، و یجتمع بالاحتقان، و جمیع القوی الطبیعیة تفعل فعلها بجودة. و «أبقرط» یستصلح فیه الاسعال دون الفصد و یكره فیه القی ء و یستصوبه فی الصیف، لأن الاخلاط فی الصیف طافئة، و فی الشتاء مائلة الی الرسوب، فلیقتد به.

أما الهواء اذا فسد ووبی ء، فیجب أن یتلقی بتجفیف البدن و تعدیل المسكن بالأشیاء التی تبرد و ترطب بوقتها، و هو الأوجب فی الوباء او تسخن و تفعل ضد موجب فساد الهواء.

الروائح الطیبة أنفع شی ء فیه و خصوصا اذا روعی بها مضادة المزاج. و فی الوباء یجب أن تقلل الحاجة الی استنشاق الهواء الكثیر، و ذلك بالتوزیع والترویح، و كثیرا ما یكون فساد الهواء من الارض، فیجب حینئذ أن یجلس علی الاسرة و یطلب المساكن العالیة جدا و مخترقات الریاح و كثیرا ما یكون مبدأ الفساد من الهواء نفسه لما انتقل الیه من فساد الاهویة المجاورة أو لأمر سماوی خفی علی الناس كیفیته، فیجب فی مثله أن یلتجأ الی الاسراب والبیوت المحفوفة من جهاتها بالجدران و الی المخادع. و أما البخورات المصلحة لعفونة الاهویة فالسعد والكندر والآس والورد والصندل و استعمال الخل فی الوباء أمان من آفاته.

ذكر الامام علیه السلام فصول السنة:



[ صفحه 107]